بغداد اليوم – متابعة
ناقش تقرير صحفي مدى تأثر العديد من القطاعات في العراق لخسائر وسلبيات نتيجة العطل الكثيرة التي تمنح في العراق بـ”مزاجية” وفق مايصف مراقبون ومختصون، فبينما يبلغ عدد العطل المهمة والمتفق عليها 12 يومًا فقط، تتجاوز ايام العطل في العراق فعليًا الـ100 يوم، أي نحو ثلث العام، في الوقت الذي تؤثر هذه العطل على تأخير انجاز معاملات المواطنين ومايرتبط بها من خسائر بالاضافة الى التأثير على اجور العاملين باجور يومية.
وترتبط أيام العطل العراقية، بمعظمها، بوقائع تاريخية ودينية ومذهبية، مع العلم أنّها لم تكن تتجاوز 16 يوماً قبل عام 2003.
والخميس الماضي، أعلنت الحكومة العراقية عن عطلة رسمية جديدة يوم الأربعاء المقبل بمناسبة مولد النبي محمد، وفقاً لبيان صادر عن المكتب الحكومي العراقي في بغداد.
ولم يتمكّن مجلس النواب العراقي، منذ عام 2015، من تمرير قانون العطل الرسمية المثير للجدال، بسبب خلافات عميقة بشأنه أدّت إلى ترحيله لأكثر من مرّة إلى دورات برلمانية لاحقة، أملاً بالتوصّل إلى تسويات سياسية.
ويؤكد مسؤولون ونواب سابقون أنّ عدد أيام العطل التي أعلنت عنها الحكومة في العام 2021 بلغ 105 أيام، أمّا في عام 2022 فقد تجاوزت 110 أيام، ما عدا أيام الجمعة والسبت.
ويشير التقرير الى ان “أيام العطل تلك، تخضع بمعظمها، لـ”مزاجية” الحكومة العراقية، من دون الانتباه إلى مدى مساهمتها في تأخير البلاد، لا سيّما المعاملات الرسمية الخاصة بالعراقيين في دوائر الدولة والمحاكم والمدارس وغيرها، علماً أنّ ذلك لا يستند إلى قانون واضح وخاص. فالقانون العراقي منح حكومات المحافظات المحلية الحقّ في إعلان يوم عطلة لسكان المحافظة دون غيرها، بحسب ما تقتضيه الحاجة، الأمر الذي صار يتكرّر في محافظات عدّة ولأسباب مختلفة”.
12 عطلة رسمية مهمة فقط
وفي وقت سابق، اقترحت وزارة الثقافة العراقية صيغة جديدة لقانون العطل الرسمية، بالتعاون مع الجهات الحكومية، لكنّ ثمّة أحزاباً السياسية وجدت أنّ فقرات في المقترح تثير الحساسية حول عطل تتعلّق بمناسبات خلافية أو مثيرة للجدال. وأشارت، في بيان، إلى أنّ “العراق بات الدولة الأولى عالمياً في عدد العطل الرسمية، الأمر الذي يؤثّر على الإنجاز والحالة الاقتصادية وتقدّم البلاد، وأنّ المقترح يضمّ 12 عطلة رسمية مهمة فقط”.
يقول مسؤول في وزارة الثقافة، فضّل عدم الكشف عن هويته اليوم الجمعة، إنّ “الوزارة ما زالت تحتفظ بالمقترح، بعدما أهمله أكثر من رئيس حكومة، بدءاً من حيدر العبادي وصولاً إلى رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني. ويضمّ المقترح أيام إعلان النصر على تنظيم داعش، والعيد الوطني في العراق، وإعلان النظام الجمهوري، وعيد الجيش، وعيد النوروز، وعيد العمّال العالمي، وعيد الفطر. وتُضاف إليها عطل دينية مهمّة، مثل الأوّل والعاشر من شهر محرّم، والمولد النبوي، وأيام عيدَي الفطر والأضحى، ويوم 25 ديسمبر/ كانون الأول بمناسبة ذكرى ميلاد السيد المسيح”.
يضيف المسؤول نفسه أنّ “ثمّة فوضى عارمة في تحديد أيام العطل، وقد أعلنت الحكومة أكثر من مناسبة غير مهمّة عطلة رسمية، الأمر الذي يؤدّي في العادة إلى تأخّر الدوائر الحكومية في إنجاز مهامها، ناهيك بتكدّس المعاملات الخاصة بالمواطنين”. ويشدّد على أنّ “تشريع قانون خاص بالعطل أمر مهمّ جداً. وكان من المفترض أن يحمل هذا القانون اسم قانون العطل والرسمية والاستذكارات، ويشمل كلّ الأعياد والمناسبات الشعبية المهمّة لكلّ العراقيين، لكنّ ثمّة أطرافاً سياسية تمنع تمريره”.
من جهته، يقول عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي محمد عنوز، إنّ “قانون العطل وقوانين أخرى تلاحقها خلافات سياسية غير واضحة ومختلفة الأمزجة، مع العلم أنّها تفيد الدولة العراقية وتساعد في تقدّمها، لا سيّما أنّها تتعلّق بعمل الدوائر الرسمية والمؤسسات الحكومية”، مشيراً تحديداً إلى “المحاكم التي تتكدّس فيها، عادة، مواعيد الدعاوى القضائية والجلسات الخاصة بحضور أطراف القضايا وشهودهم، ما يتسبّب في إرباك العمل القضائي”.
ويوضح عنوز أنّ “كتل الأحزاب السياسية تمثّل مكوّنات مجلس النواب، بالتالي فإنّ أيّ قانون يتعارض مع توجهات الأحزاب يتعرّض للتعطيل والترحيل، وثمّة قوانين معطلة وتُرحَّل إلى دورات برلمانية لاحقة منذ أكثر من 10 أعوام”، مشيراً إلى أنّ “الإرادة السياسية لتحقيق تغيير حقيقي نحو الأفضل في البلاد تُعَدّ ضئيلة، والدليل على ذلك يأس العراقيين الكبير إزاء الوضع السياسي”.
مشكلات إدارية واقتصادية
في سياق متصل، يرى الناشط السياسي ياسر عبد العزيز، أنّ “العطل الكثيرة، تحديداً تلك التي تصدر عن حكومات المحافظات المحلية، تؤدّي إلى مشكلات إدارية واقتصادية، لا سيّما أنّ شريحة غير قليلة من العراقيين تعمل بصيغة الأجور اليومية، الأمر الذي يعرّضها لخسارات مالية وفي النهاية لفقر حقيقي لا تعرف الحكومة عنه أيّ شيء”.
وحذّر عبد العزيز من أنّ “غياب المحاسبة القانونية للمتسيّبين من الموظفين، لا سيّما أعضاء الأحزاب النافذة بحجج المناسبات الدينية، يتسبّب كذلك في هذا التعطيل”.
ويأسف عبد العزيز، إذ إنّ “ثمّة تعمّداً سياسياً من قبل بعض الأحزاب للإبقاء على العراق متأخّراً، من أجل تمرير مصالح سياسية وحزبية على حساب العراقيين. وهذا أحد نتاجات الفوضى الكبيرة التي خلّفتها الديمقراطية المشوّهة التي دخلت العراق بعد عام 2003″، وفق قوله.
أمّا الباحث الاقتصادي العراقي منير عبد الله فيبيّن، أنّ “العطل في العراق قد تفوق واقعياً أيام الدوام الرسمي، لا سيّما مع الإجازات التي يطلبها الموظفون لأغراض علاجية أو للراحة أو للدراسة، بالتالي فإنّ الموظف العراقي هو أقلّ موظف يعمل في دائرته مقارنة بالدول العربية الأخرى”، مشدّداً على أنّ هذا “يؤثّر على سير المعاملات وسرعة إنجازها. ولعلّ دوائر المحاكم هي الأكثر تضرّراً”.
ويتابع عبد الله أنّ “لأيام العطل على الاقتصاد العراقي تأثيراً ضئيلاً، لأنّ العراق يعتمد على النفط بصورة شبه كاملة لإدارة الالتزامات المالية، وهذا المصدر يجعل العراق من البلدان الكسولة، وبالتالي لا تهتمّ كثيراً بجوانب الارتقاء بالاقتصاد عبر القطاعات الحكومية الأخرى”.
المصدر: العربي الجديد