“قيام الليل من العبادات التي تتسم بفضائل خاصة، وهذه الفضائل تمتد إلى العبد في حياته الدنيوية وآخرته. تلك اللحظات الثمينة التي يُقضيها المؤمن في قيام الليل ممزوجة بأفضل الأوقات واللحظات الروحية، وتشمل هذه الفضائل:
فضل القرب من الله: يذكرنا الله في القرآن الكريم أن الذين يقومون الليل يستحقون الثواب الوفير. يقول الله تعالى: “تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (السجدة: 16-17).
فضل الإيمان والتقوى: يعبر قيام الليل عن إيمان الشخص بالله وتواصله معه في السر والخلوة. يظهر ذلك في قوله تعالى: “إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ” (الذاريات: 15-17).
فضل الأجر والمكانة: يوعد الله المصلين في الليل بمكانة خاصة وأجر وافر. يقول الله تعالى: “أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ” (الزمر: 9).
فضل دخول الجنة: يشجع النبي محمد صلى الله عليه وسلم على قيام الليل ويعدّه وسيلة لدخول الجنة. يقول: “أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ وأطعِموا الطَّعامَ وصلُّوا والنَّاسُ نيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ” (البخاري).
فضل اللذة والراحة: قيام الليل يمنح الإنسان لذة وراحة خاصة في الدُنيا. يُعلمنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن أفضل صلاة بعد الصلاة الفرض هي صلاة قيام الليل قبل الفجر. يقول: “وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ” (مسلم).
فضل الترقية والشرف: قيام الليل يرتقي بالمؤمن ويمنحه شرفاً وتقديراً من الله. النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: “شرفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ” (مسلم).
فضل الرحمة والغفران: قيام الليل يجلب رحمة الله ومغفرته للعبد. النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: “رحمَ اللهُ رجلاٌ قامَ من الليلِ فصلَّى وأيْقَظَ امرأتَه فصلتْ فإن أبَت نضحَ في وجهِها الماءَ، رحم اللهُ امرأةً قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجَها فصلَّى، فإن أبَى نضحتْ في وجهِه الماءَ”.
تتواصل الفضائل المتعلقة بقيام الليل:
فضل الليالي العشر الأخيرة من رمضان: خلال شهر رمضان المبارك، يُشجع المسلمون على قيام الليل بصفة خاصة. وذلك لأن ليلة القدر، التي هي خيرٌ من ألف شهر، توجد في هذه الليالي العشر الأخيرة من رمضان. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أيْقَظَنِي بَعْضُ أهْلِي، فَنُسِّيتُها فالْتَمِسُوها في العَشْرِ الغَوابِرِ” (البخاري). لذا، ينبغي للمسلم أن يسعى جاهدًا في هذه الليالي لتحقيق العبادة والتوبة.
صلاة التروايح: تُعرف صلاة التروايح بأنها صلاة الليل في شهر رمضان، وتتألف عادة من ركعات إضافية تصلى بعد صلاة العشاء. يُشجع المسلمون على الانتظام في أداء هذه الصلاة خلال شهر رمضان. يُسمى هذا النوع من الصلاة بالتروايح نسبةً إلى الراحة والاستراحة التي يمكن للمصلين الاستمتاع بها بين كل أربع ركعات.
الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان: الاعتكاف هو أن يقضي المسلم ليالي متتالية في المسجد، خصوصاً خلال العشر الأواخر من شهر رمضان. هذا يعزز تركيزه على العبادة والدعاء. توصى السنة النبوية بالاعتكاف في هذه الليالي للتمكن من استغلال هذه الفترة الفضيلة.
قيام الليل في ليلة القدر: ليلة القدر هي ليلة خاصة وفضيلة في شهر رمضان. إذا قام المسلم بقيام الليل في ليلة القدر، وهو مؤمن ومخلص، فإنه سيغفر له ما تقدم من ذنوبه. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِه” (البخاري).
إذاً، يظهر أن قيام الليل هو عبادة خاصة محملة بالفضائل والمزايا المتعددة. تعزز القرب من الله، تعبّر عن الإيمان والتقوى، تجلب الرحمة والغفران، وتعزز العلاقة بالله. وفي شهر رمضان، يكون لقيام الليل فضائل إضافية بسبب ليلة القدر وتعزيز الروحانية خلال هذا الشهر المبارك.