غار ثوريقع في الجهة الجنوبية من المسجد الحرام بمكة المكرمة، جسدت قصة إيمان وثقة كبيرة. إنه الموقع الذي أمِن فيه الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – وصاحبه أبو بكر الصديق أثناء رحلتهما في طريق الهجرة إلى المدينة المنورة.
قصة الرسول وصاحبه في غار ثور
حدثت قصة الرسول في غار ثور وصاحبه في أثناء الفرار من مكة المكرمة، حين كانت قريش تبحث بشراسة عن الرسول ورفيقه. وفي أثناء بحثها عثرت قريش على مدخل الغار. إلا أن الله -تعالى- كان حاضرًا بنعمته وحمايةً لرسوله وصديقه. فقال أبو بكر الصديق للرسول: “لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه”. لكن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أجاب: “يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما”، وبهذا أكد على الثقة والاعتماد على الله في كل الأمور.
قصة هروبهما وإختبائهما في الغار محفورة في التاريخ الإسلامي وموثقة في القرآن الكريم. في سورة التوبة، ورد وصف لهذا الحادث البارز: “إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (التوبة: 40).
غار ثور اليوم يعتبر صخرة مجوفة بارتفاع متر وربع عن سطح الأرض، وله فتحتان، إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب. الفتحة الغربية هي التي دخلا منها الرسول وصاحبه أبو بكر.
من الجدير بالذكر أن زيارة غار ثور ليست من الأمور المشروعة في الإسلام، ويجب على المسلمين عدم التوجه إليها بغرض الزيارة أو العبادة.
إن أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – كان أحرص الناس على الإنفاق في سبيل الله ونصرة دين الإسلام. وقد قام بشراء حريته بلال بن رباح – رضي الله عنه – من أمية بن خلف بعد أن شاهده معذبًا على يد أمية. هذا يعكس روح التضحية والكرم التي كان يتميز بها أبو بكر.
لهذا السبب، أشاد الرسول – صلى الله عليه وسلم – بسخاء أبو بكر وكرمه. قال: “وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ”، معبرًا عن شكره لكرم صديقه. كما أشار الرسول إلى مكانة أبو بكر في الجنة، مؤكدًا أنهما سيدا أهل الجنة من الأوائل والآخرين، باستثناء الأنبياء والمرسلين.
وفي يوم الهجرة، قبل دخول الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى الغار، دخل أبو بكر الصديق الغار للتحقق من أمانه وخلوه من أي خطر. خلال وجوده في الغار، تعرض أبو بكر لللدغة من حشرة ضارة، وكان الألم حادًا. لم تترك هذه اللدغة أثرًا على القلب الكريم لأبي بكر. بدلاً من الشكوى أو الانشغال بألمه، بكى بكاءً من الألم وصاحبه الرسول، وكان ذلك بمثابة دعاء بسرعة الشفاء.
لهذا السبب، قال الرسول صلى الله عليه وسلم داعيًا لصديقه وقائلاً: “اللهم اشف أبا بكر”. وبعد هذا الدعاء النبوي ولطف الله، تم شفاء أبو بكر من آثار اللدغة.
غار ثور ليس مجرد موقع تاريخي، بل هو مكان يذكر المسلمين بقصة الثقة والاعتماد على الله في أوقات الضيق والصعاب. كان أبو بكر ورفيقه الرسول قد قدما أروع الأمثلة على الإيمان والصداقة والتضحية. وقصة غار ثور تظل رمزًا لقوة الإيمان وتفاني الأصدقاء في سبيل الله تعالى.